يخلد الشعب المغربي قاطبة يوم الثامن عشر من نوفمبر من كل سنة ، ذكرى عيد الاستقلال المجيد الذي جاء تتويجا لتضحيات جسام قدمها العرش والشعب، لدرجة أن هذا الحدث أصبح أصدق مثال لأعظم تضحية قدمها ملك في سبيل استقلال شعبه ، وأصدق تعبير على إخلاص شعب لقائده، فضلا عن كونه إحدى المحطات الخالدة في تاريخ المغرب الحديث ، لأنه أرخ لانتهاء عهد الحجر والحماية الذي فرضه الاستعمار على البلاد بداية من سنة 1912 .وإن عظمة هذه الذكرى تستوجب وقفة تأمل في تاريخ المغرب الغني بالأمجاد و بالمحطات المشرقة ، من أجل الذود عن المقدسات، وتشكل من جهة أخرى ، برهانا على إجماع كل المغاربة وتعبئتهم للتغلب على الصعاب وتجاوز المحن . و تبقى الميزة الأساسية لهذا الكفاح البطولي كامنة في ذلك الإجماع الوثيق على التشبت بمقدسات الوطن ، الذي أبان عنه المغاربة سواء منهم من كانوا في المنطقة الخاضعة للاستعمار الفرنسي أو الذين كانوا بالأقاليم الجنوبية الخاضعة للاستعمار الإسباني، و المتتبع لتاريخ المغرب، يلاحظ انه رغم المخططات والمناورات التي نفذتها القوى الاستعمارية الفرنسية و الإسبانية ، مستعملة قوة الحديد والنار في محاولة تقطيع وحدة المغرب وتمزيقها بهدف الهيمنة وطمس الهوية، استطاع المغرب أن يقف وقفة رجل واحد في وجه الاستعمار الأجنبي معلنا التحدي بقيادة بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس ، الذي اعتقدت السلطات الاستعمارية أن نفيه رفقة أسرته إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر سيوقف الانتفاضة العارمة ، التي تفجرت في كل المدن والقرى المغربية . إن جل المخططات التي نفذها الاستعمار بدءا بالظهير البربري الذي أصدرته الحماية الفرنسية في 16 ماي1930 بهدف التفريق بين أبناء الشعب انطلاقا من مبدإ "فرق تسد" وانتهاء بالإقدام على نفي محمد الخامس وأسرته الشريفة يوم 20 غشت1953 إلى كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر، كان مآلها الفشل الذر يع وعجلت برحيل سلطات الحماية. وكانت عملية النفي هذه بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس ووحدت الصفوف في انتفاضة شعبية عارمة ، شكلت أروع صور التلاحم والالتفاف حول رمز الوحدة. فلم يكن التلاحم بين العرش والشعب وذلك الكفاح المرير والبطولي ليذهب سدى بحيث رضخت سلطات المستعمر لمطالبها واستسلمت ، فعاد جلالة المغفور له محمد الخامس و أسرته إلى البلاد عودة مظفرة ، ليكون يوم16 نونبر1955 مشهودا في تاريخ المغرب وصفحة خالدة في سجل شعبه، دليلا قاطعا على أن المغرب ، بما امتاز به من تلاحم دائم بين العرش والشعب وبإيمانه الراسخ بعدالة قضيته، استطاع يوم 18 نونبر1955ويعد ، أن يقهر قوى الاستعمار رغم ضخامة إمكانياتها ويرغمها على الاعتراف بحقوقه المشروعة وفي مقدمتها عودة محمد الخامس والأسرة الملكية من المنفى والحصول على الاستقلال.