1. يبلغ المرء بنيته ما لا يبلغه بعمله:لو أراد أحدنا أن يحصي ما يستطيع تحقيقه من الإرادات التي تثور في قلبه، لوجد أن الذي يتحقق منها نسبة ضئيلة بجانب ما لا يستطيع تحقيقه، ولا نريد بالنيات التي تدخل في الإحصاء تلك الخواطر العابرة، وأحاديث النفس المارة، بل نريد تلك النيات التي بلغت مرتبة العزم والتصميم.النية عمل القلب، والقلب لا سلطان عليه لغير صاحبه:إن يسلب القوم العِدا مُل فالقلب بين ضـلو
كـي وتسلمني الجموععه لم تسلم القلب الضلوع
فمهما ضعفت الأجساد، ومهما اشتد ظلم الظالمين، فقلب الإنسان يبقى حرا طليقا، يتوجه إلى الله في السراء والضراء، رغبا ورهبا، يريده بالخير، ويقصده بالطاعة.فالنية التي نريد بها العمل الصالح الذي فرضه الله علينا ابتغاء رضوان الله لها قيمة كبيرة عند الله، بل هي محل نظر الله سبحانه كما قال تعالى مبينًا أهمية العمل الباطن: ? لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ? (سورة الحج آية: 37)، فالله ينظر إلى حقيقة العمل الذي في القلب لا إلى صورته، ولذا فإن العبد الذي ينوي نية صادقة، ولا يستطيع تنفيذها، في الواقع ينال ثواب الناوي الفاعل لما نوى، ففي الحديث: ) من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه (، وتوفي أحد الصحابة في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان قد تجهز للخروج للحرب، وقتال الكفار، فقالت ابنته متحسرة: ) إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا، قد كنت قضيت جهازك فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: قد أوقع الله أجره على قدر نيته (.والعبد الذي ينوي استدامة عبادة من العبادات كصلاة الليل، أو صيام أيام من كل شهر أو من كل أسبوع، ثم يغلبه على هذه العبادة أمر ما، كأن يغلبه النوم، أو يشغله السفر أو المرض، يكتب له ما كان يعمله، فعن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ) ما من امرئ تكون له صلاة بليل، فغلبه عليها نوم، إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه (، من أجل ذلك كان عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ديمة، ففي الحديث المتفق عليه عن عائشة، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ) أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قل (.2. الأعمال البدنية قد تتوقف بخلاف النية:ذكر الغزالي عن أحد الذين كانوا يعنون بفعل الخير، أنه كان يطوف على العلماء يقول: من يدلني على عمل لا أزال فيه عاملا لله تعالى، فإني لا أحب أن يأتي علي ساعة من ليل أو نهار إلا وأنا عامل من عمال الله، فقيل له: قد وجدت حاجتك، فاعمل الخير ما استطعت، فإذا فترت أو تركته فهُمَّ بعمله، فإن الهامّ بعمله كعامله.3. قاصد فعل الخير يثاب وإن لم يصب المراد:إذا قصد العبد القيام بفعل خير شرعه الله، إلا أن هذا الفعل لم يقع الموقع المناسب فإن صاحبه يثاب بقصده ونيته، يروي البخاري في صحيحه عن معن بن يزيد، قال: ) كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن (، فالأب لم يقصد توجيه المال الذي أخرجه إلى ابنه، ولكن الله أثابه بنيته الصالحة، وكتب له الأجر، وإن عاد المال إليه.4. المحول العجيب:كثيرا ما راود بعض الناس في الماضي حلم لذيذ، وهو إيجاد محول يستطيع أن يحول المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة، وقد شغلت هذه الفكرة الناس في بعض العصور، وأخذت قسطا وافرا من تفكيرهم وجهدهم، ولم يفطن كثير من الناس إلى أن النية هي المحول العجيب، إلا أنها لا تحول الجماد إلى نوع آخر من الجماد، ولكنها تحول الأعمال العادية التي تضمحل وتزول بمجرد الانتهاء منها إلى أعمال باقية خالدة، فالطعام، والشراب، والنكاح... كل ذلك زائل ذاهب فإذا قصد العبد به نية صالحة، كأن ينوي التقوي بالطعام والشراب على طاعة الله، وكأن يعف نفسه عن الزنا بالنكاح، ويطلب الولد الصالح الذي يعبد الله ويجاهد في سبيله، فإن هذه الأعمال تتحول إلى أعمال باقية صالحة، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ) إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة (، فالإنفاق بنية الاحتساب يتحول إلى صدقة يدّخر لصاحبها أجرها وثوابها.5. النية أفضل من العمل:وخلاصة القول أن النية أفضل من العمل، وفي الحديث: ) نية المؤمن خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيته، وكل يعمل على نيته ( وفي الحديث الآخر: ) نية المؤمن أبلغ من عمله(.