الاستعطاف صيغة جديدة في التعليم العمومي بالمغرب، هي نتيجة مزايدات على الحس الوطني الاجتماعي، مثلها مثل تحية العلم وقراءة النشيد الوطني يوميا، مما كان أرهق التلاميذ والأطر التربوية، فعدل عن ذلك هذه السنة وتم الاكتفاء بتنفيذه يوم الاثنين فقط. والاستعطاف هو فرصة أخيرة تعطى للتلميذ الذي فصل عن الدراسة، إذا توفرت فيه بعض الشروط، أهمها خلو ملفه الدراسي من تقارير مجلس الانضباط ، وتوفره على سقف أعلى من 7 نقط على عشرين في الامتحان الجهوي وعدم تجاوزه سنا معينة. هذا كله جميل وممتاز، لكن كيف انعكس هذا" الاجتهاد" غير الموفق على السير العادي للدراسة؟
من المعلوم أن المدارس المغربية مكتظة بشكل فظيع، فهي لا تحتمل حتى عدد التلاميذ ذوي الحقوق في الدراسة بلا استعطاف فكيف بنا نزيد في اكتظاظ الاقسام كل بداية سنة دراسية؟ ثم إن الدخول المدرسي يتعثر بشكل كبير بسبب الاستعطاف، إذ أن الإدارات المدرسية تنشغل أزيد من شهرين في تعديل اللوائح وإعادة انتشار التلاميذ إلى غير ذلك من الهدر المدرسي
غير أن المصيبة العظمى هي أن باب جهنم هذا الذي فتح على التعليم المغربي، أصبح مرتعا للفساد، من حيث إن الأقوياء من الطبقات العليا من المجتمع المغربي بدأوا يضغطون بكل الوسائل لإرجاع أبنائهم إلى المدرسة ضدا على القرارات التي تخرج بها المجالس التربوية (وهي المخولة للبث في طلبات الاستعطاف) وكم من المدارس وجدت نفسها مضطرة إلى عقد أكثر من اجتماع تحت الضغط والإكراه، خاصة حين يجد الطاقم الإداري نفسه مكرها على الامتثال أمام سلطات تربوية أو غير تربوية أعلى
لقد عايشت التعليم منذ 1963 ، فلم أسمع ببدعة اسمها الاستعطاف، لأن المدرسة المغربية كانت ذكية في ممارسة صيغ الاختيار والانتقاء من أجل مستوى تعليمي راق، ولم يكن يقع أي ضرر للكفاءات التي حتى وإن تعثرت فهي تلتحق بالركب بسرعة، ولم أسمع أبدا بالمدرسة المغربية تكدس الأقسام بالكسالى والمنحرفين والميؤوس منهم، فلله قولوا لي كيف نعيد تلميذا حصل على 7 من عشرين نقطة في الامتحان الجهوي؟ ما هي طبيعة تلميذ بهذا الضعف؟ كيف نرجع تلميذا أقرب إلى الفيدور (فتوة بالمصرية)منه إلى راغب في الدراسة؟ كيف نشعل نار الفتنة في الأقسام بعد أن قامت آليات التقويم بعملها في تمكين حق التعليم لمن يستحقه؟ كيف نخلق الهدر المدرسي بأيدينا ثم نتباكى عليه فيما بعد؟
تقول الحكمة أن القافلة لا تسير على سرعة أبطأ جمل، ، وفي هذا الوضع الذي نحن فيه فإن المدرسة المغربية لا تسير بسرعة أبطأ جمل بل إنها سلحفاة تنتظر حلزونا يمتطي ظهرها بحجج اجتماعية لا تربوية بل لا منطقية، نحن اليوم مطالبون بمنافسة المدرسة اليابانية والأمريكية وغيرها من المدارس المتقدمة في انتقاء الكفاءات وتمكينها من مناخ تربوي سليم، لا أن نملأ أقسامنا بالعاجزين الكارهين للدراسة، ثم يأتي متسلط من أعلى فيفرض شروطه على المدرسة المغربية لأن ابنه المدلل يريد العودة إلى الفصل الدراسي حتى ولو كره الكارهون
إن نظامنا التعليمي قد عانى من عدة أخطاء، أخطرها طريقة التقويم التي لا تتم وفق معايير صارمة، وتتم بمراقبة تربوية ضعيفة أو محرجة، مما يجعل الغش سيد الواقع التعليمي، إلى غير ذلك من الآلام المدرسية، ينضاف إليها اليوم فساد جديد إسمه الاستعطاف، فبالله إني أستعطفكم أن تهيؤوا قبرا لهذا المخلوق المشوه الذي سيلوث المدرسة المغربية إن عاجلا أم آجلا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد