مثل الانسان في هذه الدنيا كمثل رجل التجأ من خوف فيل هائج الى بئر ،فتدلى فيها ، وتعلق بغصنين كانا على شفيرها ، فوقعت رجلاه على شيء في جول البئر ، فنظر اليه فاذا هو حيات أربع قد أخرجن رؤوسهن من أجحارهن .ثم نظر فاذا في قعر البئر تنين عظيم ، فاتح فاه ، منتظر أن يقع اليه الرجل فيبتلعه . فرفع بصره الى الغصنين فاذا في أصلهما جردان : أسود وأبيض ، وهما يقرضان الغصنين ، دائبين لايفتران .
وانه لكذلك ،اذ أبصر قريبا منه كوارة فيها عسل ، فذاق العسل ، فشغلته حلاوته وألهته لذته عن التفكير في شيء من أمره ، وأن يلتمس الخلاص لنفسه . ولم يذكر أن رجليه على حيات أربع ، لا يدري متى يفتكن به ، وان الجردين دائبان في قطع الغصنين . فلم يزل لاهيا غافلا ، مشغولا بتلك الحلاوة الزائلة ، حتى سقط في فم التنين ، فهلك .
فالبئر رمز الى الدنيا المملوءة افات وشرورا ، ومخافات وعاهات . والحيات الاربع رمز الى طبائع الانسان المنحرفة : فانها ، متى هاجت أو هاج أحدها ، كانت كسم الأفاعي ، والغصنان رمز الى الأجل الذي يدوم الى حين ، ثم ينقطع لامحالة ، والجردان : الأسود والأبيض رمز الى الليل والنهار الدائبين في افناء الأجل دائما دائما ، والتنين رمز الى الموت الذي لابد منه ؛ والعسل رمز الى الحلاوة القليلة ، التي ينال الانسان منها شيئا ، فيرى ، ويطعم ، ويشم ، ويلمس ، ويلهو عن شأنه ، فينسى أمر اخرته ، ويصد عن سبيل قصده . ابن المقفع (كليلة ودمنة )