المحتويات القصيرة ،على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء كانت نصوصا كتابية اومقاطع ريلز( فيديوهات قصيرة) تعتبر كالثقب الأسود ، تبتلع العقل البشري وتسيطر عليه بالكامل!
البداية كانت مع تطبيق التيك توك، لتعم الفكرة جل التطبيقات. وبدل أن يقتصرالمتصفح على مشاهدة محتوى واحد او اثنين، في مدة لاتتجاوز الدقيقة او الاثنتين، يتحول الامر إلى انصياع كامل لحركة الأصبع الآلية والرتيبة نحو الاعلى، خاصة إن ظهر نوعان من المحتوى: أحدهما مثير يشد الانتباه ويرفع نسبة الدوبامين في الجسم، فيتوهم المتصفح انه قد بلغ سدرة المنتهى من السعادة، والثاني يفعل في المرء مايفعله المهدئ ،..فتصير الدقيقة أو الدقيقتان ساعة او اثنتين لينتهي بنا الامر أمام هدر كامل للوقت، ونقص في التركيز وتشتت في الانتباه.
وبعدما كان العقل فيما مضى قادرا على الصمود أمام نصوص طويلة،وكتب في أجزاء عديدة، وبرامج تلفزيونية تتجاوز الساعتين، أصبح الآن عاجزا عن متابعة برنامج لايتعدى عشر دقائق ،أو عن قراءة نص لايتجاوز الصفحة أو الصفحتين.
العقول صارت كالقردة ،تقفز من سطر إلى آخر،وكل سطر من تلك السطور يتضمن كلمات تكاد تكون فارغة من معانيها، بسبب محدودية عدد الحروف التي تفرضها خواريزميات بعض التطبيقات.ومن النصوص يأخذنا عالم الأنترنيت إلى محتويات سمعية بصرية قصيرة، الريلز، تمر في لمح البصر، وفيديوهات تشتمل على إمكانيات تتيح للمتصفح تسريعها ، بدرجات متفاوتة بحسب طاقة المتلقي وقدرة عقله على التحمل.
وكلما أوجز صانع المحتوى وسرًع كلما كان لعقل المشاهد أقرب، وأكثر جذبا وإبهارا، فصانع المحتوى الآخذ بزمام الامور في ميدان وسائل التواصل الاجتماعي هو من كان قادرا على الإيجاز وإيصال الفكرة دونما حاجة للتركيز على التفاصيل، متناسيا ان تلك التفاصيل تكون في غالب الأحيان أبلغ وأهم من الفكرة نفسها !
وهنا أتساءل:
هل نحن الآن بصدد برمجة عقل جديد؟ عقل الإعلانات والإشهارات التجارية؟ عقل محدود غير قادر على التفكير والتخيل والخلق والإبداع؟ هل نحن بصدد صنع عقل روبوت في جسم إنسان ينصاع للمنظومة الاستهلاكية، ويخضع للذكاء الاصطناعي بجميع إمكانياته التي ستقضي على جل المهارات والقدرات الإبداعية لدى الإنسان؟ عقل يتماشى ونمط الحياة السريع؟ هل نحن أمام محاولة لإبادة جماعية للعقول الإنسانية؟
لا أدري..ربما ..
ذ.رشيدة بوزرواطة