مدرسة الواجهة.. من الجوهر إلى الشكل
إنه تردي خطير هذا الذي تعرفه المدرسة المغربية.
كان لب العمل الإداري التربوي إلى عهد قريب هو التربية والتعليم والتكوين الفعلي الحقيقي المنتج والفعال، بعمل جاد وعميق يخضع لمعايير دقيقة ملموسة، الركيزة الأساسية فيها ذمة رجل التربية والتعليم ، الفاعل المركزي في الميدان بهمة عالية وانسجام تام و وضوح الهدف والغاية على علاتها.
كان أساس الحركة الدائبة لرجال التربية والتعليم سواء العاملون منهم بالقسم أو بمختلف الإدارات هو إخراج تلميذ قادر مقتدر وفق برنامج صارم وغربال تقويمي دقيق لا يمر منه إلا الكفء المتمكن.
كانت كل العمليات المرتبطة بالميدان تصب في هذا الاتجاه، تربية وتعليم -مع التركيز على أسبقية التربية على التعليم ، لا تعليم بدون تربية – ذو ثمار ناضجة لها شكل و مذاق : شكلها الكفاءة ومذاقها النجاح.
كانت المدرسة خلية نحل منسجمة ، متناسقة ، متناغمة وشغالة بجد واجتهاد وتفان وإتقان ، الكل يضع نصب عينيه الكفاءة والاقتدار في من يربي ويعلم.
وانقلبت الآية وعكست الصورة
من الجوهر إلى الشكل
من العمق إلى السطح
لقد طفا على السطح شكليات كانت قبل ذلك معينات ومساعدات، أصبحت اليوم أساسيات وغايات، أصبحت الهم والغم الذي يقض مضجع الإدارة ومعها هيئة التدريس.
لم تعد المدرسة ذلك المعمل الذي يتهمم بإخريج الكفاءات والإطارات رجال الغد، بل أصبحت مختبرا للتجريب والإحصاء وطغيان الكم على الكيف.
إحصائيات وحسابات متتالية ومستمرة بمعايير متنوعة لكل نأمة وشفرة ، جداول وعمليات وتفريعات وتقسيمات طول السنة، تكلف رجل التربية والتعليم وخاصة المدير جهدا و وقتا حتى أصبحت الهم الذي لا ينتهي.
لقد غطى همّ الإحصاء همّ التربية والتعليم وهمّش دور الرقابة والتأطير والتتبع.
إن هذا الانقلاب الخطير والتحول المعكوس أردى المدرسة أسفل سافلين، وجعلها مشلولة مصابة بالعمى والصمم..
نفذ إليها الفساد بعدما أغدق عليها البرنامج الاستعجالي الملايين خدمة لمشاريع فاشلة ركزت على الواجهة من إصلاح للأقفال وطلاء للجدران.
ليبقى المثل الشعبي المغربي سيد الوقف : « آ لمزوّق من برّا ، أش خبارك من الداخل؟ "