كم كان متحفزا لتحمل مسؤولية تدبير مدرسة ابتدائية بجهة من الجهات ! لقد طال به المقام بالفصل الدراسي لسنين، أشرف على إثرها بإطلالة قريبة على التقاعد ، الذي ينقل صاحبه من حال إلى حال.. حاول هو من خلال هذه النقلة المهنية من التعامل مع جماعة الفصل إلى التعامل مع جماعات متنوعة ، ومتداخلة وذات اختصاصات متضاربة ، تتطلب المقبل على العمل معها التمكن من العديد من وسائل التدبير التي تختلف باختلاف الوضع الذي تتخذه.
فالتعامل في إطار مدرسي يختلف مع التعامل مع شركاء المؤسسة ، ومع المحيط ، حيث لكل توجهاته ، كما لكل بنياته المختلفة سواء على المستوى النفسي أو الاجتماعي أو التربوي...
هو لم يكن يدرك مدى أهمية المنصب الذي يسعى لاعتلاء كرسيه ، ولم يكن على علم بالمستجدات التي ينتظر أجرأتها على مستوى المنظومة التعليمية ككل ، ولم يكن يتابع ما يطبخ في طنجرة الوزارة الوصية من أغذية تتنوع أطباقها بتنوع مستويات الفاعلين في المجال المدرسي/التربوي..
كان يعتقد بأن ممارسة شأن تدبير مدرسة ابتدائية لا زال يمارس بتلك الطريقة التقليدية التي تعتمد المدير/الرئيس ، صلة وصل بينه وبين السلطات التربوية فيما يتعلق ببريد المذكرات الوزارية والأكاديمية والنيابية من جهة ، وبين طلبات المدرسين والمدرسات..من جهة أخرى. وفاته أن المسؤولية تضاعفت ، وعممت أي وزعت على مستوى العاملين بالمؤسسة.
فمن كان لا ينخرط في جمعية دعم مدرسة النجاح ، فهو منخرط في مجلس التدبير ، ومن كان لا ينخرط في مجلس التدبير ، فحتما سيكون في جمعية من الجمعيات التي فرضتها المنظومة التربوية وعلى رأسها البرنامج الاستعجالي المنبثق عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، من أجل الدفع بأجرأة بعض بنوده ومواده التي أصابها عطل، أو التي فاقتها سرعة الإنجاز.
فواقع الأمر بالمدرسة الابتدائية يرمي بثقل المسؤوليات على كاهل موظف واحد ووحيد، عليه تدبير شؤون المؤسسة تربويا و ماليا ، واجتماعيا...وهو ملزم أيضا بالتعامل مع كل الفاعلين و الشركاء والمسؤولين و التجاوب مع مطالبهم،وانتظاراتهم، واستقبال كل المراسلات والمذكرات التوجيهية ، وإنجاز كل الدراسات و الإحصاءات والتقارير و حضور كل الاجتماعات و التكوينات، وتبني مختلف المشاريع والعمل على تنفيذها كلها.
وفي نفس الوقت، عليه الحرص على السير العادي للعمل داخل المؤسسة، ووضع آليات لانفتاحها على محيطها السوسيو اقتصادي، والبحث عن شركاء لها، والاهتمام بتأهيل الأداء التربوي لأطرها وتفعيل مجالسها وجمعياتها وهيآتها العاملة في مجال الحياة المدرسية ، والحفاظ على ممتلكاتها و صيانتها، والعناية بتتبع التلاميذ تربويا و اجتماعيا وصحيا، والتواصل مع أولياء أمورهم في كل القضايا التي تهم أبناءهم،ووضع برامج وخطط محلية لتجاوز الصعوبات والمعيقات التي تعترض طريقهم في متابعة دراستهم بشكل طبيعي، وتوفير إمكانيات دعمهم دراسيا و اجتماعيا.
كل ذلك و غيره كثير مما يتطلب التفكير والتخطيط والمبادرة والتنفيذ والتتبع والمواكبة والتقويم...
هذا الشلال المتدفق بالمسؤوليات ، وهذا الكم المتواصل من اللكمات، لم يسمح له بأخذ نفس لإعادة ترتيب الأوراق، والتموقع في الإطار الذي يمكنه من أخذ مسافة زمنية لمراقبة الوضع ، واتخاذ تدابير تمكنه من مواكبة صيرورة صبيب المذكرات..، وردود الفعل السريعة المتطلبة في إنجاز تقارير تفصيلية عن كل نشاط فكرت المؤسسة – أو لم تفكر-في إنجازه.
لقد ضاق ذرعا بثقل المسؤولية الإدارية التي كبلت طاقته التربوية و الإبداعية ، حيث انعطفت به في متاهات خارج المحيط الذي ألفه من قبل ، وقذفت به في فوهات – اعتبرها نارية – بحكم نسبة الخطأ في تطبيق آليات أجرأتها على أرض الواقع بالصورة المرتقبة.