بون شاسع بين توجهات وزارة التربية الوطنية وما يكتب على صفحات جل المواقع التعليمية الالكترونية أو على الأقل هذا ما يبدو،وأصبح كل ما تسعى إليه الوزارة بات مرفوضا من طرف رواد الإنترنيت من رجال ونساء التعليم بل محط انتقادات لاذعة.
من هنا تبدأ المشكلة والمعادلة الصعبة، فالدين يعول عليهم من مدرسين ومدرسات في تنفيذ مخططات الوزارة هم أنفسهم من يسقطون القناع على "هفوات" سلطة وزارة التربية و التعليم بالبلاد، وتبدأ الحكاية بالتوقيت الجديد الذي تؤطره المذكرة الوزارية رقم 122 والتي كادت أن تسجن الكثيرين في مقرات عملهم طيلة يوم بكامله،لتشعل فتيلا بالمواقع الالكترونية التي استطاعت أن تحشد نفس الآراء وهي الرفض لمضمون المذكرة ،بل أكثر من ذلك عبأت لكل الوقفات والاحتجاجات على الميدان ماحدا بالوزارة لسحبها ولو مؤقتا للتدقيق في شانها .
فليس المذكرة رقم 122 الوحيدة التي رفضت وإن طبقت بشكل محدود جدا في بعض المناطق بل سبقتها شبكة التنقيط من أجل الترقي والتي تعتبر آخر" انجاز" -حسب الجهات الرسمية- في الوظيفة العمومية حيث تأخذ بعين الاعتبار في ترقي الموظف جوانب المردودية والمواظبة داخل الفصل الدراسي وكذا الابتكار والأنشطة الموازية التي يقوم بها..لجعل رجال ونساء التعليم مندمجين أكثر في الوسط التعليمي والحرص على ما تبقى من المدرسة العمومية قبل اندثارها في ظل المنافسة الشرسة للتعليم الخصوصي، وكأن هؤلاء المدرسين هم المسؤولون عن تدهور الوضع التعليمي بالمغرب، قوبل كل هذا بعد نقاش حاد : بالرفض ،والاستهزاء والانتقادات ليتم بعد ذلك شبه إجماع على رفضها جملة وتفصيلا ،ماجعل الوزارة المعنية العدول عنها والاستمرار في شروط مألوف الترقي الذي لم يتغير منذ عشرات السنين واعتبر رجال التعليم أن فشل القطاع لا يعود للمدرسين بل للسياسات المتبعة منذ فجر الاستقلال ،إذ يستحيل الكلام على شبكة التنقيط التي تفترض أن البنيات التحتية جاهزة والوسائل الديداكتيكية متوفرة والتلاميذ الآتون من كل فج عميق لا يعانون فقرا ولا بؤسا وكأن الساهرون على إعداد الشبكة لا يعرفون واقع المدرسة العمومية.
ولم يسلم البرنامج الاستعجالي من القيل والقال و الذي اعتبرته الوزارة مشروعا طموحا يعيد الاعتبار لمرفق عمومي ظل منذ سنين يئن تحت البؤس والفقر وهكذا تضمن بنايات جديدة وترميمات للمؤسسات التعليمية وتشجيع الفتاة القروية ودعم التمدرس بمساعدة التلاميذ المعوزين بالمستلزمات الدراسية وغير ذلك أما على الشبكة العنكبوتية فرجال التعليم ونسائه يكتبون كل يوم ما يخالجهم من أفكار وآراء تصب كلها في الرفع من مستواهم المعيشي قبل أي إصلاح مرتقب وأن أي إقلاع للمنظومة التربوية مشروط بالرفع من الأجر،وتقريب الأزواج ،والشفافية وتخليق الإدارة وإعادة النظر في كل المناهج والمقررات الدراسية و تكوين حقيقي يعيد الاعتبار للمدرس، ومعالجة الاكتظاظ وتحسين جودة المطاعم الدراسية وتدبير الملفات المرضية، وتوفير الأمن، وغير ذلك.
ويبدو أن السادة المدرسين والمدرسات لم يعد يعجبهم وزارة التعليم في قراراتها ولا النقابات في حواراتها ما يفرض نقاشا وطنيا جديا ،فالمسألة التعليمية هي الوجه المشرق للبلاد والرتب المتدنية التي وصلنا إليها تخجل كل الغيورين،في الجهة المقابلة تبقى أجيال بكاملها أمام كل هذا تنتظر الفرج فالإضرابات المتتالية ترسم في الأذهان"ما بقات قرايا" وتبقى الإجابة عن سؤال معلق لا يبرح مكانه : أين الخلل ،هل في الوزارة أم في المدرسين أم في عدم تظافر كل جهود المجتمع؟ويبقى المطلوب جرأة سياسية لدى الدولة في تدبير ملف يعتبر من الملفات الأكثر تعقيدا .