إن إشكـالية الإقنـاع تطـرح باستمـرار في كـل عمليـة فكـرية أو أي نـص يتـوخى إيصـال تصـور أو رأي مـا.
وبدايـة، يلاحـظ أن الشائـع عنـد النـاس هـو أنه يكـفي أن نستـدل بأقـوال مـأثورة أو نستشهـد بأفكـار وآراء لمفكـرين أو علمـاء، سـواء ينتمـون إلى المـاضي أو إلى العصـر الحـاضر، لكي نطمئـن إلى أننـا قد أوصلنـا أفكـارنا ووجهـات نظرنـا مدعمـة ومبنيـة على أدلـة لا تقبـل النقـض ولا الدحـض.
والحـق أن هـذا الزعـم أو التصـور يعتبـر، في رأيي، من الأخطـاء الأكثـر شيوعـا وانتشـارا. إذ أن ذلك لا يكـون في الأغلـب إلا نوعـا من النقـل والنسـخ لمجهـودات ذهنيـة وإنتاجـات فكريـة من طـرف أنـاس، مهمـا بلغـوا من العلـم، فإنهـم معرضـون للخطـأ أولا، ثم إن نظرياتهـم ما هي إلا ثمـرة عمـل إنسـاني نسـبي وفيه قسـط غيـر زهيـد من الذاتيـة والشخصانيـة.
ولعـل لا نشـط عن الجـادة إذا وطدنـا العـزم على أن نعـمل عقـولنا وأن نخضـع كل شيء لمحـك النقـد والبحـث والتمحيـص. طبعـا هذا لا يمنـع من ذكـر ما قـاله غيرنـا إذا كـان يتقاطـع مع خلاصـة أفكـارنا وثمـرة إبداعنـا.
ولعـل هـذه الطريقـة هي القمينـة، في نظـري، بأن تدفـع بالفكـر البشـري إلى الأمـام، وتخرجـه من الكسـل والخمـول الذي يفرضـه عليه ترديـد مـا أنتجـه السلـف ونقـل إرث أسلافنـا أو معاصرينـا على أنه صـواب لا حـاجة معـه إلى أدلـة ولا حجـج من العقـل أو الواقـع. وهـذا الأسلـوب ربمـا يتعيـن أن نلقنـه إلى الناشئـة في المدرسـة لنضمـن إنشـاء أفـراد منتجيـن لا مستهلكيـن ومفكرين وخلاقيـن لا ناقليـن ومقلديـن
