أخـشى أن يكـون عهـد القـامـوس قـد ولى أو أنـه في طريقـه إلى الانقـراض، بعـد أن شكـل طـوال السنيـن المـاضيـة أداة نفيسـة ولا غنى عنهـا للبحـث والشـرح والفهـم والثقـافـة بصفـة عـامـة.
ولعـل تقنيـات التـواصـل الحديثـة، بغزوهـا لكـل المجـالات وهيمنتهـا على وسـائـل الاطـلاع والمعـرفـة، تكـون قـد سـاهمـت بصفـة جوهـريـة في أفـول نجـم القـامـوس، سـواء منـه العـربي أو الفـرنسي أو غيرهمـا.
وآيـة ذلـك أننـا لـم نعـد نـرى الطلبـة، بـل حتى الأسـاتـذة، يلجـأون إلى هـذه الوسيلـة الضـروريـة لفهـم النصـوص الأدبيـة والفكـريـة، وخـاصة منهـا القـديمـة، التي كـانت تكتـب بلغـة رصينـة وألفـاظ جـزلـة وأساليـب فيهـا من الصعوبـة والتعقيـد، بالنسبـة لنـا، الشيء الكثيـر. فمـن منـا يستطيـع أن يستـوعـب الشعـر القديـم، ونصـوص التـراث في مختلـف المجـالات دون الاستعـانـة بالقـامـوس ؟ ويحضرني هنـا مثـال من الشعـر القديـم مـا زلـت أحفظـه، وهـو بيـت للشنفـرى :
ولي دونكم أهلون سيد عملس وأرقط زهلول وعرفاء جيأل
فكيـف السبيـل إلى فهـم هـذا الكـلام دون الرجـوع إلى القـامـوس؟
إلا أن الأمـر في ذلك قـد يكـون مـرده إلى كـون النـاس، في عصرنـا الحـاضر، قـد ولـوا ظهورهـم لتراثنـا الثقـافي للعصـور التي سلفـت، فراحـوا لا يقبلـون إلا على مـا يكتـب في الصحـف والمجـلات أو بعـض الكتـب الحديثـة التي تستعمـل لغـة ميسـرة ومبسطـة بحيـث لا حـاجـة معهـا إلى عنـاء البحـث في القواميـس.
لكـن هنـاك ظاهـرة أخـرى لهـا خطورتهـا في هـذا الشـأن، وهي تكمـن في أن كثيـرا من الطلبـة لا يعرفـون حتى أقـوم السبـل للبحـث في القامـوس، أنى كـانت لغتـه. وهـم لا يحفظـون حتى الحـروف الهجـائيـة. فكيـف، والحـالة هـذه، يمكنهـم أن يهتـدوا بسهولـة إلى مـوضـع اللفظـة المبحـوث عنهـا في القـاموس وهـم يجهلـون ترتيـب الحـروف ؟
ولمـاذا يتجشمـون هـذه المشقـة وهـم يكفيهـم نقـرة أو بضـع نقـرات ليصلـوا إلى مـا يـودون الوصـول إليـه من طـرف الحـاسـوب والإنترنيت.
وأمـام هـذه الوضعيـة، هـل آن لنـا أن نقيـم صـلاة الجنـازة على هـذه القـواميـس التي بين أيدينـا، والتي بـذل فيهـا من الجهـد والوقـت مـا لا يعلمـه إلا ذوو الاختصـاص في هـذا الميـدان ؟!
___