إن مجتمعنـا مـرهق بـإكراهـات وأعبـاء ضـاربة في القــدم وراسخـة الجـذور. وبـذلك نجـد أن هـامش الحـرية الفـرديـة والتفـكير الطلـيق ضئيـل إن لـم نقـل إنـه يكـاد يكـون منعـدمـا.
وبـالفـعل، فـإن هنـاك كثيـرا من الطـابـوهات والممنـوعـات التي يجهـل مصـدرها وسبـب وجـودها وهيمنتهـا. فنـرى النـاس سجيـني أسـوار منيعـة تحجـب عنهـم رؤيـة واقـع الأشيـاء وتجعـلهـم يعيشـون وسـط جـو مفعـم بالكـدر والنغـص والـدرن والتلوث، حـتى لكأنهـم لا يكادون يفقهـون حـديثـا !
ولا شـك أن مـرد ذلـك يعـود بالأسـاس إلى الجهـل بكـل مـراتبـه وأصنـافـه وكـذا إلى العـادات البـالية التي تسيـطر عـلى الألبـاب وعـلى اللاوعـي، بـدل انطـلاق العقـول وتحـرر النفـوس في عمليـة التـأمل العمـيق لحقـيـقة الأشيـاء وكنـههـا والتفكـير المتـزن السليـم في مـا يعـرض للانسـان من همـوم ومشـاغـل ومسـائل في حيـاته الشخـصيـة أو العـامة.
ولا بـد من التـأكيـد هنـا عـلى الـدور السـلـبي الـذي يقـوم بـه النـظـام التعـليـمي السـائـد، هـذا النظـام الـذي لا يسـمـح بتفـتـح المتـعـلميـن ولا بتشجـيـعهـم عـلى روح النـقـد والفـكـر الحـر الـمنتـج والخـلاق، بـل لا يكـاد يعطـيهـم من الأدوات والمـؤهـلات مـا يـوفـر لهـم قسـطـا محتـرمـا من العلـم والثقـافة. ممـا ينتـج عنـه أن المـجتمـع بـأسـره يتـأثـر سلبـيـا ويئـن تحـت وطـأة تبعـات هـذه الـوضعيـة. إذ لا سبيـل، في ظـل ذلـك، لإبـراز المـواهـب ولا لإشعـاع الكفـاءات من أجـل الخـلـق والإبـداع.
ولا خيـر في مجتمـع يسـود فيـه التفكيـر الـرديء والثقـافة المنحطـة ويعـم التقليـد الأعمـى لمـا أنتجـه الأسـلاف الذيـن تفـوقـوا في حينهـم وجـدوا واجتهـدوا. فـالعقـل النقـلي يجـد ضـالتـه ومـرتعـه الخصـب ويحـل محـل العقـل النقـدي المبـدع والمنتـج، مع مـا يستتبـع ذلـك من خمـول وكسـل وعـقـم في مجـال الإنتـاج الفكـري والإبـداع الثقـافي.
لقـد آن الأوان لكـي ينهـض شبـابنـا من غفـوتهـم ويهـبوا وينتفضـوا قصـد تشييــد صـرح مجتمـع تـواق إلى النمـو والتطـور، يكـون كلـه تجنيـد صـوب الخـلق والإنتـاج والتقـدم. إن الأمـر يتعـلق بمستقبـلنـا الثقــافي وإشـعـاعنـا الحـضـاري.
___