تعـرف اللغـة عـادة على أنهـا أداة أساسيـة للتواصـل والتخاطـب، بالإضافـة إلى كونهـا وسيلـة لاكتسـاب المعرفـة وهضـم العلـوم والثقافـة ونقلهـا والتعبيـر عنهـا.
إلا أنـه، عـلاوة على هـذا التعريـف التقـني المحـض، فـإن اللغـة تحمـل أساليـب التفكيـر وخاصيـات الهويـة والمقومـات الثقافيـة. كمـا أنهـا تشكـل الأذهـان والعقليـات وتؤثـر لا محالـة على محتـوى وأبعـاد وأنسـاق التعبيـر والتفكيـر السائـدة في إطـار المجموعـات التي تستعملهـا.
وبهـذا المفهـوم نـرى أن اللـغة ليسـت في نهايـة المطـاف عامـلا لا أثـر لـه في نظـرة النـاس إلى الحيـاة، وكـذا في كيفيـة وطريقـة تناولهـم وفهمهـم للأشيـاء وإقـامة علاقاتهـم فيمـا بينهـم أو مع غيرهـم من الأمـم الأخـرى.
وانطـلاقا من هـذا المعـطى، فإننـا يمكـن أن نلحـظ أن من لـم يتقـن إلا لغـة واحـدة، أنى كـانت هـذه اللغـة، فإنـه يكـون أكثـر ميـلا وجنوحـا إلى الانطـواء على نفسـه وسـوء فهـم الآخـر أو عسـر مخاطبتـه ومحـاورتـه.
وفي هـذا الصـدد، يمكـن القـول بـأن تعلـم اللغـات الأخـرى والتمكـن منهـا من شأنـه أن يمثـل عامـلا مسهـلا للانفتـاح على الثقافـات والعقليـات المختلفـة للغيـر، وذلـك لأننـا حينئـذ سنتعمـق في الاطـلاع على نظـرة الآخـر إلى الحيـاة والعالـم، ولعلنـا بذلك نفهمـه أحسـن ونتقبلـه أكثـر.
وهنـا يمكـن أن نـرى أن عمليـة الترجمـة قـد تسـاهم، إلى حـد مـا، في هـذا الشـأن، غيـر أنهـا لا تـؤدي دورهـا كامـلا في بـاب محـو سـوء التفاهـم والغـوص بموضوعيـة وتبصـر في أساليـب تفكيـر وتعبيـر الناطقيـن بلغـات لا نفهمهـا.
ولا بـد من الإشـارة أيضـا، في هـذا السيـاق، إلى أن الإلمـام بلغـات غير لغتنـا إنمـا هـو وسيلـة إثـراء ثقـافي وتوسيـع معـرفي، بالإضـافة إلى كـونه أداة محفـزة وميسـرة للتبـادل الفكـري بصفـة عامـة.
ولعـل هـذه الأمـور هي التي دعـت كـل الـدول إلى الانفتـاح على اللغـات الأجنبيـة، طبعـا دون أن تغفـل الاهتمـام الأسـاسي بلغتهـا الوطنيـة. ففي هـذا خيـر كثيـر تجنيـه الأمـم والشعـوب في كـافة المجـالات السياسيـة والاقتصاديـة والاجتماعيـة والثقافيـة.
وأختـم بجمـلتيـن قصيـرتين قـد تلخـصان إشكاليـة اللغـة ؛ الأولى لبـول فاليـري حيـث يقول : "إن في اختلافاتنـا غـنى" ، أمـا الثانيـة فهي للسينمـائي الإيطـالي الكبيـر، فيديريكـو فيليـني : "كـل لغـة لهـا نظـرتها الخـاصة والمغـايرة إلى العـالـم ".