تعريفه :
نوع من أنواع المفعول به ، لأنه يكون في حالة النصب منصوبا بفعل محذوف تقديره " استثني " ، وتدل عليه كلمة الاستثناء .
نحو : حضر الطلبة إلا طالبا .
فـ " طالبا " أعربه النحاة مفعولا به للفعل المقدر " استثني " ، والتقدير : حضر الطلبة استثني طالبا .
غير أنه ينبغي التدقيق فيما ذكره النحاة حول عمل الفعل المحذوف في المستثنى ، فنرى أن العامل في المستثنى أداة الاستثناء ، وسنتعرض لهذا في حديثنا عن العامل في الاستثناء إن شاء الله .
مكونات جملة الاستثناء :
تتكون جملة الاستثناء من ثلاثة أجزاء على النحو التالي :
1 ـ المستثنى منه .
2 ـ المستثنى .
3 ـ أداة الاستثناء .
* المستثنى منه : هو الاسم الداخل في الحكم ملفوظا كان أم ملحوظا ، متقدما عليه النفي ، أو شبهه ، أو غير متقدم .
* والمستثنى : الاسم المُخرَج من جنس المُخرَج منه ، أي : المطروح أو المتروك .
* أدوات الاستثناء " كلماته " فهي على النحو الآتي :
حروف ـ أسماء ـ أفعال وحروف .
وسوف نتطرق لكل منها في موضعه .
أما الاستثناء المسبوق بنفي ، أو شبهه فيسمى استثناء منفيا ، أو غير موجب .
نحو : ما حضر إلا محمدٌ . ولا تكافئ إلا المجتهدَ .
وإذا كان الاستثناء غير مسبوق بنفي ، أو شبهه فيسمى استثناء مثبتا ، أو موجبا .
نحو : انصرف الضيوف إلا ضيفا .
كما أنه إذا كان المستثنى من موجودا سميت جملة الاستثناء تامة .
نحو : أقلعت الطائرات إلا طائرة .
وإذا كان المستثنى من مفقودا " غير موجود " سميت جملة الاستثناء ناقصة ، أو غير تامة . نحو : ما صافحت إلا أخاك .
وإذا كان المستثنى جزءا من المستثنى منه سمي الاستثناء متصلا .
نحو : نجح الطلاب إلا طالبا .
وإذا لم يكن المستثنى جزءا من المستثنى منه سمي منقطعا .
نحو : حضر المسافرون إلا حقائبهم .
أولا ـ حروف الاستثناء :
لا يعد من حروف الاستثناء دون المشاركة سوى " إلا " ، والمستثنى بها له ثلاثة أحوال : ـ
الحالة الأولى : وجوب النصب ، إذا كانت جملة الاستثناء تامة مثبتة ، سواء أكان الاستثناء متصلا ، أم منقطعا .
مثال المتصل : حضر المتفرجون الحفل إلا متفرجا .
حضر : فعل ماض مبني على الفتح .
المتفرجون : فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم .
الحفل : مفعول به منصوب بالفتحة .
إلا : حرف استثناء مبني على السكون لا محل له من الإعراب .
متفرجا : مستثنى منصوب بالفتحة .
ومنه قوله تعالى : { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم }
و قوله تعالى : { فأنجياه وأهله إلاّ امرأته قدرناها من الغابرين }
و قوله تعالى : { ففزع من في السموات ومن في الأرض إلاّ من شاء الله }
وقوله تعالى : { فشربوا منه إلا قليلا منهم }
ومثال المنقطع : حضر الطلاب إلا كتبهم ، وغادر الحجاج مكة إلا أمتعتهم .
حضر فعل ماض مبني على الفتح ، والطلاب فاعل مرفوع بالضمة .
إلا : أداة استثناء مبنية على السكون لا محل لها من الإعراب .
كتبهم : كتب مستثنى منصوب بالفتحة ، وكتب مضاف ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة .
ـ ومنه قوله تعالى : { ما لهم به من علم إلا اتباع الظن }
الحالة الثانية : وهي إذا كانت جملة الاستثناء منفية تامة ، جاز في إعراب المستثنى وجهان :
1 ـ النصب على الاستثناء .
نحو : ما تأخر الطلاب إلا طالبا .
ما تأخر : ما حرف نفي مبني على السكون لا محل له من الإعراب ، تأخر فعل ماض مبني على الفتح .
الطلاب : فاعل مرفوع بالضمة .
إلا : حرف استثناء مبني على السكون لا محل له من الإعراب .
طالبا : مستثنى منصوب بالفتحة .
ـ ومنه قوله تعالى : { ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك }
بقراءة " امرأتك " منصوبة على الاستثناء .
2 ـ اتباع المستثنى للمستثنى منه ، ويعرب بدلا بعض من كل ، وفي هذه الحالة تكون " إلا " مهملة غير عاملة . نحو : ما تأخر الطلاب إلا طالبٌ .
ما تأخر : ما نافية لا عمل لها ، تأخر فعل ماض مبني على الفتح .
الطلاب : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة .
إلا طالب : حرف استثناء ملغي " أداة حصر " . طالب بدل بعض من كل مرفوع بالضمة ، لأن المبدل منه " الطلاب " فاعل مرفوع .
ـ ومنه قوله تعالى : { ما فعلوه إلا قليل منهم } . بقراءة الرفع في " قليل " .
وقوله تعالى : { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الظالمون } .
ومثال التابع المنصوب : ما رأيت اللاعبين إلا محمدا .
محمدا : بدل بعض من كل منصوب بالفتحة الظاهرة ، لأن المبدل منه " اللاعبين " مفعول به منصوب .
ومثال المجرور : ما مررت بالمعلمين إلا خالدٍ .
خالد : بدل بعض من كل مجرور ، لأن المبدل من " المعلمين " مجرور .
تنبيهات وفوائد :
1 ـ إذا كان الاستثناء منقطعا فالأفصح ، والذي نزل به القرآن هو وجوب النصب . نحو : ما في البيت أحد إلا كلبا . وليس لي صديق إلا الكتابَ .
ـ ومنه قوله تعالى : { ما لهم به من علم إلا اتباع الظن } .
وقوله تعالى : { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } .
ما : حرف نفي مبني على السكون لا محل له من الإعراب .
في البيت : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم .
أحد : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة .
إلا : حرف استثناء مبني على السكون .
كلبا : مستثنى منصوب الفتحة الظاهرة .
2 ـ وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه وجب نصبه أيضا .
نحو : ما لي إلا خالدا صديقٌ . وليس عندي إلا الصدق قول .
ما لي : ما نافية لا عمل لها . لي جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم .
إلا خالدا : حرف استثناء ، وخالدا مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة .
صديق : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة .
الحالة الثالثة : أن يعرب الاسم الواقع بعد إلا حسب موقعه من الجملة ، وذلك إذا كانت جملة الاستثناء منفية ناقصة ، وفي هذه الحالة يلغى عمل حرف الاستثناء ، وهذا النوع يعرف بالاستثناء المفرغ .
أي : ما قبل حرف الاستثناء تفرغ للعمل فيما بعده . مثال الرفع على الفاعلية : ما تفوق إلا خالدٌ .
ـ ومنه قوله تعالى : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله }
وقوله تعالى : { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا } .
وقوله تعالى : { لا يأكله إلا الخاطئون } .
وقوله تعالى : { لا يصلاها إلا الأشقى }
ما تفوق : ما حرف نفي مبني على السكون لا عمل له ، تفوق فعل ماض مبني على الفتح . إلا حرف استثناء ملغي .
خالد : فاعل مرفوع بالضمة .
ومثال نائب الفاعل : ما كوفئ إلا الفائز . وما عولج إلا المريض .
ومثال الرفع على الابتداء : ما في البيت إلا محمدٌ .
إلا محمد : إلا حرف استثناء ملغي ، و " محمد " مبتدأ مرفوع بالضمة .
ـ ومنه قوله تعالى : { ما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } .
وقوله تعالى : { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } .
ومثال الخبر : ما أخي إلا مثابر .
فـ " مثابر " خبر مرفوع بالضمة .
ـ ومنه قوله تعالى : { ما هذا إلا سحر مفترى } .
وقوله تعالى : { إن هو إلا ذكر وقرآن } .
وقوله تعالى : { وما محمد إلا رسول } .
ـ ومنه قول طرفة بن العبد :
لعمرك ما الأيام إلا معارف فما اسطعت من معروفها فتزود
مثال المفعول به : ما قرأت إلا قصيدة . وما كافأت إلا طالبا .
فـ " قصيدة " مفعول به منصوب بالفتحة .
ـ ومنه قوله تعالى : { إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا }.
وقوله تعالى : { وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا } .
وقوله تعالى : { وما يعبدون إلا الله } .
ومثال الجار والمجرور : ما التقيت إلا بمحمد ، وما استمعت إلا لعلي .
فـ " محمد " اسم مجرور بحرف الجر ، وعلامة جره الكسرة .
ـ ومنه قوله تعالى : { وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين }.
وقوله تعالى : { ما خلق الله ذلك إلا بالحق } .
وقوله تعالى : { ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله } .
ثانيا ـ أسماء الاستثناء : غير وسوى .
يعرب ما بعدهما مجرورا بالإضافة ، أما هما فيأخذان إعراب المستثنى الواقع بعد إلا بأحواله الثلاث .
نحو : حضر الطلاب غيرَ طالبٍ ، أو سوى طالبٍ .
حضر الطلاب : فعل ماض مبني على الفتح ، والطلاب فاعل مرفوع بالضمة
غير : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة ، وغير مضاف .
طالب : مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة .
ومثال ما يعرب فيه " غير وسوى " مستثنى منصوبا ، أو بدلا : ما تأخر الطلاب غيرَ طالب ، أو : سوى طالب .
أو : ما تأخر الطلاب غيرُ طالب . أو : سوى طالب .
فـ " غير " الأولى مستثنى منصوب بالفتحة .
والتقدير : ما تأخر الطلاب إلا طالبا .
و " غير " الثانية بدل بعض من كل مرفوع لأن المبدل منه " الطلاب " فاعل مرفوع ، والتقدير : ما تأخر الطلاب إلا طالبا .
ومثال مجيء غير وسوى على الحالة الثالثة ( وهو الاستثناء المفرغ ) : ما فاز غيرُ محمد ، أو سوى محمد .
فـ " غير " فاعل مرفوع بالضمة ، ومحمد مضاف إليه مجرور بالكسرة .
والتقدير : ما فاز إلا محمدٌ .
ومثال النصب : ما كافأت غير المجتهد ، أو سوى المجتهد .
فـ " غير " مفعول به منصوب بالفتحة ، والمجتهد مضاف إليه مجرور .
والتقدير : ما كافأت إلا محمدا .
ـ ومنه قوله تعالى : { ما لبثوا غير ساعة } .
وقوله تعالى : { وما زادوهم غير تثبيب } .
ومثال الجر : ما مررت بغير خالد ، أو : بسوى خالد .
بغير خالد : جار ومجرور متعلقان بـ " مررت " ، وغير مضاف ، وخالد مضاف إليه مجرور ، والتقدير : ما مررت إلا بخالد .
ثالثا ـ أفعال الاستثناء :
عدا ـ خلا ـ حاشا .
عدا وخلا لا تعمل في المستثنى النصب إلا بشرط أن يسبقها " ما " المصدرية .
نحو : حضر الطلاب ما عدا محمدا . وسافر الحجاج ما خلا قليلا .
حضر الطلاب : فعل وفاعل .
ما عدا : ما حرف مصدري مبني على السكون ، وعدا فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف منع من ظهوره التعذر .
محمدا : مفعول به منصوب بالفتحة .
ومثلها خلا . أما حاشا فلا تسبقها ما المصدرية ، ويجوز في المستثنى بعدها
النصب على المفعولية ، أو الجر على اعتبارها حرف جر .
نحو : نجح الطلاب حاشا محمدا ، أو حاشا محمدٍ .
وذا خلت عدا ، أو خلا من ما المصدرية ، فيجوز إعراب المستثنى بعدهما مفعولا به منصوبا على اعتبارهما فعلين ، أو اسما مجرورا على اعتبارهما حرفي جر .
نحو : قدم الضيوف عدا ضيفا ، أو : عدا ضيفٍ .
عدا ضيفا : عدا فعل ماض مبني على الفتح المقدر ، وضيفا مفعول به منصوب .
عدا ضيف : عدا حرف جر مبني على السكون ، وضيف اسم مجرور .
فوائد وتنبيهات :
1 ـ جواز مجيء الجمل بعد إلا في الاستثناء المفرغ .
نحو : ما الجندي إلا يعمل للدفاع عن وطنه .
ما الجندي : حرف نفي ، الجندي مبتدأ مرفوع بالضمة .
إلا يعمل : حرف استثناء ملغي ، ويعمل فعل مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو .
للدفاع : جار ومجرور متعلقان بالفعل .
عن وطنه : جار ومجرور متعلقان بالفعل أيضا ، ووطن مضاف ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه .
والجملة الفعلية في محل رفع خبر .
2 ـ تستعمل " بيد " استعمال " غير " بشرط أن يكون الاستثناء منقطعا ، وأن تكون مضافة إلى مصدر مؤول من " أن " ومعموليها .
نحو : محمد مؤدب بيد أنه كسول .
محمد : مبتدأ مرفوع بالضمة ، ومؤدب : خبر مرفوع بالضمة .
بيد : مستثنى منصوب بالفتحة .
أنه كسول : أن واسمها وخبرها .
وجملة أن ومعموليها في محل جر مضاف إليه .
والتقدير : محمد مؤدب غير أنه كسول .
3 ـ من الأفعال التي تستعمل في الاستثناء " ليس " ، و " لا يكون " ، وهذه الأخيرة لا تستعمل بدون " لا " . إذ لا يصح القول : حضر الطلاب يكون محمدا .
والصحيح أن نقول : حضر الطلاب لا يكون محمدا .
والمستثنى بعد ليس ولا يكون ينصب على أنه خبر لهما .
نحو : سافر أفراد الأسرة ليس عليا .
4 ـ ذكرنا أن العامل في المستثنى هو الفعل المحذوف ، وتقديره استثني ، وهناك آراء أخرى لا داعي لذكرها ، لكن أهم ما يمكن قوله : إن العامل في المستثنى هو حرف الاستثناء ، وبهذا قال ابن مالك ، وهو الصواب عندي لأنه أبعد عن التكلف .
5 ـ يجوز في إعراب تابع المستثنى بغير وسوى مراعاة اللفظ ، أو المحل .
نحو : نجح الممتحنون غير محمدٍ وخالدٍ ، أو : سوى محمد وخالد .
ونحو : نجح الممتحنون غير محمد وخالدا ، أو : سوى محمد وخالدا .
فجررنا " خالد " مراعاة للفظ المجرور بالإضافة في المثال الأول ، ونصبناه في المثال الثاني مراعاة للمحل ، والتقدير : نجح الممتحنون إلا محمدا وخالدا .
والصحيح أن يعرب تابع المستثنى بغير وسوى نصبا على المحل .
نحو : نجح الممتحنون غير محمد وخالدا ، أو : سوى محمد وخالدا .
لأن تقدير الكلام : نجح الممتحنون إلا محمدا وخالدا .
6 ـ يجوز حذف المستثنى بغير إذا فهم المعنى .
نحو : عملت الواجب ليس غيرُ ، وأرسلت رسالة ليس غيرُ .
7 ـ لا يجوز اقتران ما المصدرية مع حاشا ، وما قرئت به مقترنة فهو شاذ .
إذ لا يجوز أن نقول : حللت الواجبات ما حاشا واجبا .
والصحيح : حللت الواجبات حاشا واجبا ، أو : حاشا واجب .
8 ـ جواز استعمال " لا سيما " ضمن كلمات الاستثناء ، والاسم الواقع بعدها يجوز فيه حالات الإعراب الثلاث : الرفع ، والنصب ، والجر .
نحو : هزني منظر الجيش لا سيما قائد في مقدمتهم .
فـ " قائد " خبر مرفوع لمبتدأ محذوف ، والجملة صلة " ما " إذا اعتبرناها موصولة .